جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
102001 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان صفة السماوات والأرضين وما فيهن من خلق الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-
صفة الأرضين وما فيهن من خلق الله -عز وجل- الذي أتقن كل شيء.
قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال: حدثنا محمد بن خالد قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن الأوزاعي قال: حدثنا حسان بن عطية -رحمه الله تعالى- قال: الأرض التي تحت هذه فيها حجارة أهل النار, والتي تليها الريح العقيم, والتي تليها عقارب أهل النار. وقيل : وفيها عقارب؟ قال: نعم, كالبغال أذنابها كالرماح, والتي تليها فيها حيات أهل النار. قيل: وفيها حيات؟ قال: نعم, فم إحداهن كالشعب العظيم, والتي تحتها فيها إبليس الأبالسة.
قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب قال: حدثنا أبو عمر الضرير قال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد -رحمه الله تعالى- في قول الله -عز وجل- كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قال: سجين صخرة تحت الأرض السابعة في جهنم تقلب فيجعل كتاب الفاجر تحتها.
قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا بندار قال: حدثنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب قال: وحدثنا محمد بن أحمد بن معدان قال: حدثنا إسحاق بن شاهين قال: حدثنا هشيم عن العوام عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق عليها الجبال, فأرساها ! فتعجبت الملائكة, فقالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد, يكسر بها الجبال, قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم النار يلين بها الحديد. قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم, الماء. قالت: فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال: نعم الريح. قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم, الإنسان يتصدق بيمينه يكاد أن يخفيها من يساره .
قال: حدثنا أبو جعفر بن أحمد الفارسي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أول ما خلق الله -عز وجل- القلم, فقال له: اكتب, فقال: يا رب ما أكتب؟ قال: اكتب القدر, فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: فارتفع بخار الماء, فخلق منه السماوات, ثم خلق النون الذي عليه الأرض, فبسطت الأرض من فوقه, فتحرك النون فمادت الأرض, فأثبتت بالجبال, فإن الجبال لتفخر على الأرض بأنها أثبتت بها.
قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا حفص عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وضع البيت في الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي سنة, ثم دحيت الأرض تحت البيت.
قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا محمد بن مطرف أبو غسان عن زيد بن أسلم -رحمه الله تعالى- قال: التقى عطاء بن يسار والذماري فسأله عطاء -رحمه الله تعالى- عن ساكن الأرض؟ فقال: الريح العقيم, وقد استأذنت ربها تخرج منها على عاد في مثل منخر الثور, ولو أذن لها لأحرقت ما على الأرض, أو أهلكت ما على الأرض, فأذن لها حين سلطها أن تخرج في مثل ثقب الخاتم. فصنعت ما سمعتَ الله -عز وجل- ذَكَرَ في كتابه. وسأله عن ساكن الأرض الرابعة؟ فقال: عقارب النار, إنها كأمثال البغال الدلم, وإن أذنابها كأمثال الرماح. وسأله عن ساكن الأرض الخامسة؟ فقال: حيات النار, بطونها كالأودية. وسأله عن ساكن الأرض السادسة؟ فقال: كبريت النار, لو وقعت فيها الجبال لانماعت. وسأله عن ساكن الأرض السابعة؟ فقال: تلك سجين, وبها إبليس موثق, يدٌ هكذا, وَرِجْلٌ هكذا, ويُخَالف بين يديه ورجليه, وله أحايين يرسل فيها, فإذا أرسل لم يكن شيء أيسر عليه من فتنة الناس.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا سعيد بن سنان قال: حدثنا أبو الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- سئل عن الأرض: على ما هي؟ قال: على الماء. قيل: أرأيت الماء على ما هو؟ قال: على صخرة خضراء. قيل: أرأيت الصخرة على ما هي؟ قال: على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش. قيل: أرأيت الحوت على ما هو؟ قال: على كاهل الملك, قدماه في الهواء .
قال: حدثني عبد الله بن سلم عن علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن كعب -رحمه الله تعالى- قال: قلت: أخبرني على ما قرار الأرضين؟ قال: الأرضون السبع على صخرة, والصخرة في كف ملك, والملك على جناح الحوت, والحوت في الماء, والماء على الريح, والريح على الهواء, ريح عقيم لا تلقح, وإن قرونها معلقة بالعرش.
قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا محمود بن خداش قال: حدثنا عمار بن محمد الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي -رضي الله عنه- قال: لما خلق الله تعالى الأرض قلصت, فقالت: يا رب تخلق علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويلقون علي نتنهم, فرسَّخَها الله تعالى بالجبال, فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون, فكان آخر استقرار الأرض كمثل الجزور تُنْحَرُ فيبضع لحمها.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا عبيد بن آدم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا عطاء بن السائب نحوه قال: كان أول قرارها كاللحم يترجرج.
قال أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا العباس بن الوليد قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد إن الله تبارك وتعالى لما خلق الأرض جعلت تميد. فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا؟ فأصبحت صبحا وفيها رواسيها, فبلغنا أن الملائكة قالوا: ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا؟ قال: نعم الحديد. قالوا: هل من خلقك شيء هو أشد من هذا الحديد؟ قال: نعم النار. قالوا: ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا؟ قال: نعم, الماء. قالوا: ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا؟ قال: نعم خَلْقُ الريح.
قال: حدثنا أبو علي أحمد بن محمد قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه, عن وهب -رحمه الله تعالى- قال: إن الله -عز وجل- خلق السماوات السبع من الدخان وكانت شرك الأرض ملتصقة, وإن الله دعاهما فأجابتا دعوته, وأطاعتا أمره, فأمر السماء فارتفعت مدر الأرض على الهواء, وأمر الأرض فانبسطت فدحا بها من موضع الكعبة, ثم خلق الريح فبسطها على الماء, فضربت الماء حتى صار أمواجا وزبدا, وجعل يثور من الماء دخان وبخار في الهواء, فلما بلغ الوقت الذي أراد الله -عز وجل- أمر الزبد فجمد, فخلق منه الأرض, وأمر الأمواج فجمدت, فجعلها جبالا رواسي, ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ وأوحى في كل سماء أمرها وفتقها وجعل من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون.
قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه, عن وهب عن أبي عثمان النهدي قال: قلنا لسلمان -رضي الله عنه- حدثنا عما فوقنا من خلق السماوات وما فيهن من العجائب. فقال سلمان -رضي الله عنه- نعم, خلق الله -عز وجل- السماوات السبع, وسماهن بأسمائهن, وأسكن كل سماء صنفا من الملائكة يعبدونه, وأوحى في كل سماء أمرها, فسمى سماء الدنيا برقيعا, فقال لها: كوني زمردة خضراء, فكانت. وسمى السماء الثانية أرقلون, وقال لها: كوني فضة بيضاء, فكانت. وجعل فيها ملائكة قياما مذ خلقهم الله -عز وجل-. وسمى السماء الثالثة: قيدوم, وقال لها: كوني ياقوتة حمراء, فكانت. ثم طبقها ملائكة ركوعا لا تختلف مناكبهم صفوفا, قد لصق هؤلاء بهؤلاء, وهؤلاء بهؤلاء, طبقا واحدا, لو قطرت عليهم قطرة من ماء ما تجد منفذا. وسمى السماء الرابعة ماعونا, وقال لها: كوني دُرَّة بيضاء, فكانت. ثم طبقها ملائكة سجودا على مثال الملائكة الركوع. وسمى السماء الخامسة ريعا, وقال لها: كوني ذهبة حمراء, فكانت. ثم طبقها ملائكة بطحهم على بطونهم ووجوههم. وأرجلهم في أقصى السماء من مؤخرها, ورؤوسهم في أدنى السماء من مقدمها, وهم البكاءون يبكون من مخافة الله -عز وجل- فسماهم الملائكة النَّوَّاحين. وسمى السماء السادسة: دفتا, وقال لها: كوني ياقوتة صفراء, فكانت. ثم طبقها ملائكة سجودا ترعد مفاصلهم, وتهتز رؤوسهم, لهم أصوات عالية, يسبحون الله تعالى بها ويقدسونه, لو قاموا على أرجلهم لنفدت أرجلهم تخوم الأرض السابعة السفلى, ولبلغت رؤوسهم السماء السابعة العليا, سيقومون على أرجلهم يوم القيامة بين يدي رب العالمين تبارك وتعالى.
وسمى السماء السابعة العليا عريبا, وقال لها: كوني نورا, فكانت نورا على نور يتلألأ, ثم طبقها ملائكة قياما على رِجْل واحدة تعظيما لله -عز وجل- لقربهم منه, وشفقتهم من عذابه, قد خرقت أرجلهم الأرض السابعة السفلى, واستقرت أقدامهم على قدر مسيرة خمسمائة عام, فهي تحت الأرض السابعة كأنها الرايات البيض, تجري تحتها ريح هفافة عاتية تحمل الرايات. ورؤوسهم تحت العرش من غير أن تبلغ العرش, وهم يقولون: لا إله إلا الله ذو العرش المجيد, سبحان ذي الملك والملكوت, سبحان ذي العز, سبحان ذي العرش, سبحان ذي الجبروت, سبحان الحي الذي لا يموت, سبحان الذي يُمِيت الخلائق ولا يموت, سبوح قدوس رب الملائكة والروح, قدوس قدوس, سبحان ربنا الأعلى, سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة والسلطان والنور, سبحانه أبد الآبدين, ثم يستغفرون للمؤمنين والمؤمنات, ثم يعودون في التسبيح والتحميد. فهم على هذا ما خلقوا إلى قيام الساعة. وذلك قوله -عز وجل- وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ .
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال: ذكر وهب -رحمه الله تعالى- أنه وجد فيما أنزل الله -عز وجل- على موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: أن الله -عز وجل- لما خلق الخلق خلق الروح, ثم خلق من الروح الهواء, ثم شق من الهواء النورَ والظلمة, ثم خلق من النور الماء, ثم خلق النار والريح, وكان عرشه على الماء ما شاء أن يكون, وكان الماء على متن الريح في الهواء, وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض, فخلق من النور النهار, وجعله مضيئا مبصرا, وخلق من الظلمة الليل, فجعله أسود مظلما, وكان خلق النهار قبل خلق الليل وخلق الشمس والقمر والضوء والنور, فعرف الليل من النهار, وجعل هذا قريبا, لهذا يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا, وخلق الدنيا وأهلها بأجل معلوم, وخلق الليل والنهار بقدرته, وهما مسخران بأمره, يجريان على مقاديره, وآية بينة من سلطانه, يتطالبان فلا يتداركان, ويستبقان فلا يتفاوتان, ويتزاحمان فلا يختلطان.
قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه, عن وهب عن سلمان -رضي الله عنه- أنه قال: الليل موكل به ملك يقال له: شراهيل فإذا جاء وقت الليل أخذ شراهيل خرزة سوداء, فدلاها من قبل المغرب, فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين. وقد أُمِرَت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة, فإذا غربت الشمس جاء الليل بظلمته وسلطانه. فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له: هراهيل بخرزة, فيعلقها من قبل المطلع, فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته, وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع, وقد أُمِرَتْ أن لا تطلع حتى تراها, فإذا طلعت جاء النهار بنوره وسلطانه, والله سبحانه وتعالى أعلم.


نعرف أن الله تعالى خالق كل شيء, وأنه هو الذي خلق هذا الكون كما يشاء, فهو خالق السماوات وخالق الأرض.
وقد أخبر بأن السماوات سبع, كما في قوله تعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وكذلك قال تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا فهو أخبرنا بأنه خلق السماوات سبعًا, ولكن لا ندري من أي شيء مادة السماوات؟ لا ندري: هل هي حجرية أو ترابية؟ أو من كبريت؟ أو من قطن؟ أو من شيء؟ الله أعلم من أي ما هي منه.
ورد في هذه الأحاديث أنها خلقت من الدخان, أو من البخار؛ ولذلك قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ خلقهن سبع سماوات, من أي شيء شاء, فسواء كان خلقها من بخار الأرض, أو من بخار الماء, أي شيء مادتها؟ لا نعلم ذلك, إلا أنها خلقت سبعا شدادا, وصفها الله تعالى بالشدة.
ورد في الأحاديث أن النبي-صلى الله عليه وسلم- لما أسري به استفتح, ففتح له. دل على أن لكل سماء أبوابا تنزل منها الملائكة وتصعد, كما شاء الله. وقد أخبر الله بأنها في يوم القيامة تتشقق في قوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ أنها تتشقق كأنها قطع غمام, وكذلك أخبر بأنها تكون كالمهل , أي: تميع في قوله: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وهكذا أيضا أخبر تعالى بأنها انشقت: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ .
لا شك أن ذلك كله دليل على أنها هكذا خلقت. لما خلقها الله تعالى قدر أنها في يوم القيامة تتشقق: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا أي: أنه تعالى ينزل الملائكة من السماء في يوم القيامة, وأن السماء ينزل كل مَنْ فيها ويستقرون على الأرض, وأن الأرض تُمَدُّ مدا واسعا, لقوله تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ .
وكذلك نعرف أن هذه الأرض -وكونك تعلم- المشاهد: الأصل أنها ترابية, وقد يكون فيها أماكن حجرية, وقد أخبر الله بأنه أرسى الجبال فيها: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا أي أرسخها فيها. وفي هذه الأحاديث: أنها لما خلقت الأرض, وصارت تضطرب وتتحرك وتميل وتمور, ثم خلق هذه الجبال, فأرساها, رسخت في الأرض, ولما أرساها ثبتت الأرض عن الحركة, تعجب الملائكة من هذه الجبال, قالوا: ربنا هذه الجبال, من أشد ما رأينا شدة وصلابة, فهل من خلقك شيء أشد وأقوى من هذه الجبال؟ قال الله: نعم الحديد. يعني: أن الحديد يكسر الجبال, يكسر الحجارة كما هو مشاهد يعني: هناك أنواع من الحديد تكسر بها الحجارة. بل قد تكون الحجارة دقيقا إذا أدخلت في بعض المكائن الحديدية. فقالوا: يا رب, هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال الله: نعم النار, يعني: أن النار تذيب الحديد, الحديد ولو كان صلبا إذا أحمي عليه في النار أصبح يسيل سيلانا, أصبح كأنه ماء مع صلابته في أول الأمر, أي أن هذه النار تقوى على الحديد وتذيبه. فقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال الله: نعم, الماء, يعني: أن هذا الماء يطفئ هذه النار, ولو كانت كبيرة, ولو اشتعلت وارتفعت واشتد اشتعالها إذا جاءها الماء انطفأت, كما هو مشاهد. فيكون الماء أشد من النار.
قالوا: يا رب, وهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال الله: نعم, الريح. الريح تطفئ النار, هذه الريح التي يرسلها الله تعالى يرسلها فتنطفئ هذه النار, أي: أنها تيبس الماء, فالجبال من أشد مخلوقات الله, يغلبها الحديد, والحديد من أشد مخلوقات الله تغلبه النار, والنار من أشد مخلوقات الله يغلبها الماء, والماء من أعجب مخلوقات الله, تغلبه الريح, فالريح تنشف الماء, وتيبسه, فصارت هذه الريح تغلب هذه المخلوقات الله تعالى هو الذي يرسل الرياح كما يشاء، فإذا عرفنا أن هذه مخلوقات الله تعالى, فإنه أمر بأن يُتَفَكَّر فيها, وأن يتخذ منها آيات دالة على قُدْرَة مَنْ أنشأها وأوجدها, وأنه سبحانه جلي : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وأن الخلق خلق الله, وأنهم عبيده وحده, فعليهم أن يعرفوه, ويعترفوا له بالعبودية, ويتوبوا إليه, وينيبوا إليه, ويرجعوا إليه, ويعبدوه حق عبادته. فهو سبحانه ربهم وخالقهم, وهو خالق كل شيء, وهو المدبر لهذه المخلوقات, فما عليهم إلا أن يعرفوا الله تعالى بأسمائه وصفاته, ويصرفوا له جميع أنواع العبادة.

line-bottom